ان راحه القلب وسروره وزوال همومه وغمومه ، هو المطلب لكل واحد ،وبه تحصل الحياه الطيبه ، ويتم السرور والابتهاج ، ولذلك اسباب دينيه ، وطبيعيه ، وعمليه ، ولا يمكن اجتماعها كلها الا للمؤمنين ، واما من سواهم فأتتهم من وجوه انفع واثبت وأحسن حالا" ومالا" .
وسأذكر برسالتي هذه ما يحضرني من اسباب لهذا المطلب الأعلى الذى يسعى له كل واحد .
فمنهم من اصاب كثيرا" منها فعاش عيشه هنيه ، وحيا حياة طيبة ، ومنهم من اخفق فيها كلها فعاش عيشه الشقاء وحيا حياة التعساء .ومنهم من هو بين بين ، بحسب ما وفق له .
والله الموفق والمستعان به على كل خير وعلى دفع كل شر .
1-السبب الاول
الايمان والعمل الصالح ،قال تعالى : ((من عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياه طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانو يعملون)) النحل:97
فأخبر تعالى ووعد من جمع بين الايمان والعمل الصالح بالحياه الطيبه فى هذه الدار ، وبالجزاء الحسن فى هذه الدار ، وفى دار القرار .
وذلك لان المؤمن بالله الايمان الصحيح ، المثمر للعمل الصالح المصلح للقلوب والاخلاق والدنيا والاخرة ،معهم أصول وأسس يتلقون فيها جميع ما يرد عليهم من أسباب السرور والابتهاج ، وأسباب القلق والهم والاحزان .
يتلقون الحاب والمسار بقبول لها ،وشكر عليها ، واستعمال لها فيما ينفع ، فاذا استعملوها على هذا الوجه أحدث لهم من الابتهاج بها ، والطمع فى بقائها وبركتها ، ورجاء ثواب الشاكرين ، أمورا" عظيمه تفوق بخيراتها وبركاتها هذه المسرات التي هي ثمراتها .
ويتلقون المكاره والمضار والهم والغم بالمقاومة لما يمكنهم مقاومته وتخفيف ما يمكنهم تخفيفه ، الصبر الجميل لما ليس لهم عنه بد ، وبذلك يحصل لهم من آثار المكاره من المقاومات النافعة ، والتجارب والقوه ، ومن الصبر وإحتساب الأجر والثواب أمورا" عظيمه تضمحل معها المكاره ، وتحل محلها المسار والآمال الطيبه ، والطمع فى فضل الله وثوابه ، كما عبر النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا فى الحديث الصحيح أنه قال : ((عجبا" لأمر المؤمن ان أمره كله خير ، ان أصابته سراء شكر فكان خيرا" له ، وان أصابته ضراء صبر فكان خيرا" له ، وليس ذلك لأحد الا المؤمن )) رواه مسلم .
فأخبر صلى الله عليه وسلم أن المؤمن يتضاعف غنمه وخيره وثمرات أعماله فى كل ما يطرقه من السرور والمكاره .
لهذا تجد اثنين تطرقهما نائبة من نوائب الخير أو الشر ، فيتفاوتان تفاوتا" عظيما" فى تلقيها ، وذلك بحسب تفاوتهما فى الايمان والعمل الصالح .
هذ ا الموصوف بهذين الوصفين يتلقى الخير والشر بما ذكرناه من الشكر والصبر وما يتبعهما ، فيحدث له السرور والإبتهاج وزوال الهم والغم ، والقلق ، وضيق الصدر ، وشقاء الحياة ، وتتم له الحياة فى هذه الدار .
والآخر يتلقى المحاب بأشر وبطر وطغيان ، فتنحرف أخلاقه ويتلقاها كما تتلقاها البهائم بجشع وهلع ، ومع ذلك فانه غير مستريح القلب ، بل مشتته من جهات عديدة ، مشتت من جهة خوفه من زوال محبوباته ، ومن كثرة المعارضات الناشئة عنها غالبا" ، ومن جهة ان النفوس لا تقف عند حد بل لا تزال متشوقه لامور أخرى ، قد تحصل وقد لا تحصل ، وان حصلت على الفرض والتقدير فهو أيضا" قلق من الجهات المذكورة . ويتلقى المكاره بقلق وخوف وجزع وضجر ، فلا تسأل عن ما يحدث له فى شقاء الحياة ، ومن الأمراض الفكرية والعصبية ، ومن الخوف الذى قد يصل به الى اسوء الحالات وافظع المزعجات ، لأنه لا يرجو ثوابا" ولا صبر عنده يسليه ويهون عليه .
وكل هذا مشاهد بالتجربة ، ومثل واحد من هذا النوع اذا تدبرته ونزلته على أحوال الناس ، رأيت الفرق العظيم بين المؤمن العامل بمقتضى ايمانه ، وبين من لم يكن كذلك ، وهو أن الدين يحث غايه الحث على القناعة برزق الله ، وبما أتى العباد من فضله وكرمه المتنوع .
فالمؤمن اذا ابتلى بمرض أو فقر ، أو نحوه من الأغراض التي كل واحد عرضه لها ، فانه بايمانه وبما عنده من القناعة والرضى بما قسم الله له ، ينظر الى من هو دونه ، ولا ينظر الى من هو فوقه ، وربما زادت بهجته وسروره وراحته على من هو متحصل على جميع المطالب الدنيوية اذا لم يؤت القناعة .
كما تجد هذا الذى ليس عنده عمل بمقتضى الايمان ، اذا ابتلى بشئ من الفقر ، أو فقد بعض المطالب الدنيوية ، تجده فى غاية التعاسة والشقاء .
واذا حدثت أسباب الخوف وألمت بالإنسان المزعجات تجد صحيح الايمان ثابت القلب ، مطمئن النفس ، متمكنا" من تدبيره وتسييره لهذا الأمر الذى دهمه بما هو فى وسعه من فكر وقول وعمل ، قد وطن نفسه لهذا المزعج الملم ، وهذه الاحوال تريح الإنسان وتثبت فؤاده .
كما تجد فاقد الايمان بعكس هذا الحال اذا وقعت المخاوف أنزعج لها ضميره ، وتوترت أعصابه ، وتشتتت أفكاره وداخله الخوف والرعب ، واجتمع عليه الخوف الخارجي ، والقلق الباطني الذى لا يمكن التعبير عنه ، وهذا النوع من الناس ، ان لم يحصل لهم بعض الأسباب الطبيعية التي تحتاج الى تمرين كثير ، انهارت قواهم وتوترت أعصابهم وذلك لفقد الايمان الذى يحمل على الصبر ، خصوصا" فى الأحوال المحزنة المزعجة .
فألبر والفاجر ، والمؤمن والكافر يشتركان فى جلب الشجاعة الاكتسابية ، وفى الغريزة التي تلطف المخاوف وتهونها ولكن يتميز المؤمن بقوة ايمانه وصبره وتوكله على الله واعتماده عليه ، واحتسابه لثوابه – أمورا" تزداد بها شجاعته ، وتخفف عنه وطأة الخوف ، وتهون عليه المصاعب ، كما قال تعالى : (( ان تكونوا تألمون فكأنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون )) النساء: 104 ، ويحصل لهم من معونة الله ومدده ما يبعثر المخاوف ، وقال تعالى : (( واصبروا ان الله مع الصابرين )) الأنفال : 46
2- السبب الثانى
الأكثار من ذكر الله فان لذلك تأثيرا" عجيبا" فى أنشراح الصدر وطمأنينته ، وزوال همه وغمه ، قال تعالى : (( ألا بذكر الله تطمئن القلوب )) الرعد : 28 ، فلذكر الله أثر عظيم فى حصول هذا المطلوب ، ولما يرجوه العبد من ثوابه وأجره .
3- السبب الثالث
التحدث بنعم الله الظاهرة والباطنة ، فان معرفتها والتحدث بها يدفع الله به الهم والغم ، ويحث العبد على الشكر الذى هو أرفع المراتب وأعلاها حتى لو كان العبد فى حاله فقر أو مرض أو غيرهما من أنواع البلايا . فانه اذا قابل بين نعم الله عليه التى لا يحصى لها عدد ولا حساب ، وبين ما أصابه من مكروه ، لم يكن للمكروه الى النعم نسبة .
بل المكروه والمصائب اذا ابتلى الله بها العبد ، وأدى فيها وظيفة الصبر والرضى والتسليم ، هانت وطائتها ، وخفت مؤنتها ، وكان تأمل العبد لأجرها وثوابها والتعبد لله بالقيام بوظيفة الصبر والرضى ، يدع الأشياء المرة حلوة فتنسيه حلاوة أجرها مرارة صبرها .
كما عبر النبى صلى الله عليه وسلم عن هذا فى الحديث الصحيح أنه قال : (( انظروا الى من هو أسفل منكم ولا تنظروا الى من هو فوقكم فانه أجدر أن لا تزدروا نعمه الله عليكم )) رواه البخارى ومسلم ، فان العبد اذا نصب بين عينيه هذا الملحظ الجليل ، رآه يفوق قطعا" كثيرا" من الخلق فى العافية وتوابعها ، وفى الرزق وتوابعه مهما بلغت به الحال به الحال ، فيزول قلقه وهمه وغمه ، ويزداد سروره واغتباطه بنعم الله التى فاق فيها غيره ممن هو دونه فيها .
وكلما طال تأمل العبد بنعم الله الظاهرة والباطنة ، الدينيه والدنيويه ، رأىربه قد أعطاه خيرا" كثيرا" ودفع عنه شرورا" متعددة ، ولا شك أن هذا يدفع الهموم والغموم ويوجب الفرج والسرور .
4- السبب الرابع
الدعاء بصلاح الدين والدنيا والأخرة ، الدعاء الذى كان النبى صلى الله عليه وسلم يدعوا به : (( اللهم أصلح لى دينى ألذى هو عصمه أمرى ، وأصلح لى دنياى التى فيها معاشى ، وأصلح لى آخرتى التى فيها معادى ، وأجعل الحياة زيادة لى فى كل خير ، وأجعل الموت راحه لى من كل شر )) رواه مسلم .
وكذلك قوله : (( اللهم رحمتك أرجو فلا تكلنى الى نفسى طرفة عين ، وأصلح لى شأنى كله ، لا اله الا أنت )) رواه أبو داود بأسناد صحيح .
فاذا لهج العبد بهذا الدعاء الذى فيه صلاح مستقبله الدينى والدنيوى بقلب حاضر ، ونية صادقة ، مع أجتهاده فيما يحقق ذلك . حقق الله له ما دعاه ورجاه وعمل له ، وأنقلب همه فرحا" وسرورا" .
5- السبب الخامس
التوكل على الله والأعتماد عليه ، ومتى اعتمد القلب على الله ، وتوكل عليه ، ولم يستسلم للأوهام ولا ملكته الخيالات السيئه ، ووثق بالله وطمع فى فضله – اندفعت عنه بذلك الهموم والغموم ، وزالت عنه كثير من الأسقام البدنيه والقلبيه ، وحصل للقلب من القوه والأنشراح والسرور ما لا يمكن التعبير عنه ، فكم ملئت المستشفيات من مرضى الأوهام والخيالات الفاسده ، وكم أثرت هذه الأمور على قلوب كثيره من الأقوياء ، فضلا"عن الضعفاء ، وكم أدت الى الحمق والجنون ! والمعافى من عافاه الله ووفقه لجهاد نفسه لتحصيل الأسباب النافعه المقويه للقلب ، الدافعه لقلقه ، قال تعالى : (( من يتوكل على الله فهو حسبه )) الطلاق : 3 أى كافيه جميع ما يهمه من أمر دينه ودنياه .
فالمتوكل على الله القوى القلب لا تؤثر فيه الأوهام ، ولا تزعجه الحوادث لعلمه أن ذللك من ضعف النفس ، ومن الخور والخوف الذى لا حقيقة له ، ويعلم مع ذلك أن الله قد تكفل لمن توكل عليه بالكفايه التامه ، فيثق بالله ويطمئن لوعده ، فيزول همه وقلقه ، ويتبدل عسره يسرا" ، وحزنه فرحا" ، وخوفع أمنا" ، فنسأله تعالى العافيه ، وأن يتفضل علينا بقوه القلب وثباته بالتوكل الكامل الذى تكفل الله لأهله بكل خير ، ودفع كل مكروه وضرر .
فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين .
والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
وسأذكر برسالتي هذه ما يحضرني من اسباب لهذا المطلب الأعلى الذى يسعى له كل واحد .
فمنهم من اصاب كثيرا" منها فعاش عيشه هنيه ، وحيا حياة طيبة ، ومنهم من اخفق فيها كلها فعاش عيشه الشقاء وحيا حياة التعساء .ومنهم من هو بين بين ، بحسب ما وفق له .
والله الموفق والمستعان به على كل خير وعلى دفع كل شر .
1-السبب الاول
الايمان والعمل الصالح ،قال تعالى : ((من عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياه طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانو يعملون)) النحل:97
فأخبر تعالى ووعد من جمع بين الايمان والعمل الصالح بالحياه الطيبه فى هذه الدار ، وبالجزاء الحسن فى هذه الدار ، وفى دار القرار .
وذلك لان المؤمن بالله الايمان الصحيح ، المثمر للعمل الصالح المصلح للقلوب والاخلاق والدنيا والاخرة ،معهم أصول وأسس يتلقون فيها جميع ما يرد عليهم من أسباب السرور والابتهاج ، وأسباب القلق والهم والاحزان .
يتلقون الحاب والمسار بقبول لها ،وشكر عليها ، واستعمال لها فيما ينفع ، فاذا استعملوها على هذا الوجه أحدث لهم من الابتهاج بها ، والطمع فى بقائها وبركتها ، ورجاء ثواب الشاكرين ، أمورا" عظيمه تفوق بخيراتها وبركاتها هذه المسرات التي هي ثمراتها .
ويتلقون المكاره والمضار والهم والغم بالمقاومة لما يمكنهم مقاومته وتخفيف ما يمكنهم تخفيفه ، الصبر الجميل لما ليس لهم عنه بد ، وبذلك يحصل لهم من آثار المكاره من المقاومات النافعة ، والتجارب والقوه ، ومن الصبر وإحتساب الأجر والثواب أمورا" عظيمه تضمحل معها المكاره ، وتحل محلها المسار والآمال الطيبه ، والطمع فى فضل الله وثوابه ، كما عبر النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا فى الحديث الصحيح أنه قال : ((عجبا" لأمر المؤمن ان أمره كله خير ، ان أصابته سراء شكر فكان خيرا" له ، وان أصابته ضراء صبر فكان خيرا" له ، وليس ذلك لأحد الا المؤمن )) رواه مسلم .
فأخبر صلى الله عليه وسلم أن المؤمن يتضاعف غنمه وخيره وثمرات أعماله فى كل ما يطرقه من السرور والمكاره .
لهذا تجد اثنين تطرقهما نائبة من نوائب الخير أو الشر ، فيتفاوتان تفاوتا" عظيما" فى تلقيها ، وذلك بحسب تفاوتهما فى الايمان والعمل الصالح .
هذ ا الموصوف بهذين الوصفين يتلقى الخير والشر بما ذكرناه من الشكر والصبر وما يتبعهما ، فيحدث له السرور والإبتهاج وزوال الهم والغم ، والقلق ، وضيق الصدر ، وشقاء الحياة ، وتتم له الحياة فى هذه الدار .
والآخر يتلقى المحاب بأشر وبطر وطغيان ، فتنحرف أخلاقه ويتلقاها كما تتلقاها البهائم بجشع وهلع ، ومع ذلك فانه غير مستريح القلب ، بل مشتته من جهات عديدة ، مشتت من جهة خوفه من زوال محبوباته ، ومن كثرة المعارضات الناشئة عنها غالبا" ، ومن جهة ان النفوس لا تقف عند حد بل لا تزال متشوقه لامور أخرى ، قد تحصل وقد لا تحصل ، وان حصلت على الفرض والتقدير فهو أيضا" قلق من الجهات المذكورة . ويتلقى المكاره بقلق وخوف وجزع وضجر ، فلا تسأل عن ما يحدث له فى شقاء الحياة ، ومن الأمراض الفكرية والعصبية ، ومن الخوف الذى قد يصل به الى اسوء الحالات وافظع المزعجات ، لأنه لا يرجو ثوابا" ولا صبر عنده يسليه ويهون عليه .
وكل هذا مشاهد بالتجربة ، ومثل واحد من هذا النوع اذا تدبرته ونزلته على أحوال الناس ، رأيت الفرق العظيم بين المؤمن العامل بمقتضى ايمانه ، وبين من لم يكن كذلك ، وهو أن الدين يحث غايه الحث على القناعة برزق الله ، وبما أتى العباد من فضله وكرمه المتنوع .
فالمؤمن اذا ابتلى بمرض أو فقر ، أو نحوه من الأغراض التي كل واحد عرضه لها ، فانه بايمانه وبما عنده من القناعة والرضى بما قسم الله له ، ينظر الى من هو دونه ، ولا ينظر الى من هو فوقه ، وربما زادت بهجته وسروره وراحته على من هو متحصل على جميع المطالب الدنيوية اذا لم يؤت القناعة .
كما تجد هذا الذى ليس عنده عمل بمقتضى الايمان ، اذا ابتلى بشئ من الفقر ، أو فقد بعض المطالب الدنيوية ، تجده فى غاية التعاسة والشقاء .
واذا حدثت أسباب الخوف وألمت بالإنسان المزعجات تجد صحيح الايمان ثابت القلب ، مطمئن النفس ، متمكنا" من تدبيره وتسييره لهذا الأمر الذى دهمه بما هو فى وسعه من فكر وقول وعمل ، قد وطن نفسه لهذا المزعج الملم ، وهذه الاحوال تريح الإنسان وتثبت فؤاده .
كما تجد فاقد الايمان بعكس هذا الحال اذا وقعت المخاوف أنزعج لها ضميره ، وتوترت أعصابه ، وتشتتت أفكاره وداخله الخوف والرعب ، واجتمع عليه الخوف الخارجي ، والقلق الباطني الذى لا يمكن التعبير عنه ، وهذا النوع من الناس ، ان لم يحصل لهم بعض الأسباب الطبيعية التي تحتاج الى تمرين كثير ، انهارت قواهم وتوترت أعصابهم وذلك لفقد الايمان الذى يحمل على الصبر ، خصوصا" فى الأحوال المحزنة المزعجة .
فألبر والفاجر ، والمؤمن والكافر يشتركان فى جلب الشجاعة الاكتسابية ، وفى الغريزة التي تلطف المخاوف وتهونها ولكن يتميز المؤمن بقوة ايمانه وصبره وتوكله على الله واعتماده عليه ، واحتسابه لثوابه – أمورا" تزداد بها شجاعته ، وتخفف عنه وطأة الخوف ، وتهون عليه المصاعب ، كما قال تعالى : (( ان تكونوا تألمون فكأنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون )) النساء: 104 ، ويحصل لهم من معونة الله ومدده ما يبعثر المخاوف ، وقال تعالى : (( واصبروا ان الله مع الصابرين )) الأنفال : 46
2- السبب الثانى
الأكثار من ذكر الله فان لذلك تأثيرا" عجيبا" فى أنشراح الصدر وطمأنينته ، وزوال همه وغمه ، قال تعالى : (( ألا بذكر الله تطمئن القلوب )) الرعد : 28 ، فلذكر الله أثر عظيم فى حصول هذا المطلوب ، ولما يرجوه العبد من ثوابه وأجره .
3- السبب الثالث
التحدث بنعم الله الظاهرة والباطنة ، فان معرفتها والتحدث بها يدفع الله به الهم والغم ، ويحث العبد على الشكر الذى هو أرفع المراتب وأعلاها حتى لو كان العبد فى حاله فقر أو مرض أو غيرهما من أنواع البلايا . فانه اذا قابل بين نعم الله عليه التى لا يحصى لها عدد ولا حساب ، وبين ما أصابه من مكروه ، لم يكن للمكروه الى النعم نسبة .
بل المكروه والمصائب اذا ابتلى الله بها العبد ، وأدى فيها وظيفة الصبر والرضى والتسليم ، هانت وطائتها ، وخفت مؤنتها ، وكان تأمل العبد لأجرها وثوابها والتعبد لله بالقيام بوظيفة الصبر والرضى ، يدع الأشياء المرة حلوة فتنسيه حلاوة أجرها مرارة صبرها .
كما عبر النبى صلى الله عليه وسلم عن هذا فى الحديث الصحيح أنه قال : (( انظروا الى من هو أسفل منكم ولا تنظروا الى من هو فوقكم فانه أجدر أن لا تزدروا نعمه الله عليكم )) رواه البخارى ومسلم ، فان العبد اذا نصب بين عينيه هذا الملحظ الجليل ، رآه يفوق قطعا" كثيرا" من الخلق فى العافية وتوابعها ، وفى الرزق وتوابعه مهما بلغت به الحال به الحال ، فيزول قلقه وهمه وغمه ، ويزداد سروره واغتباطه بنعم الله التى فاق فيها غيره ممن هو دونه فيها .
وكلما طال تأمل العبد بنعم الله الظاهرة والباطنة ، الدينيه والدنيويه ، رأىربه قد أعطاه خيرا" كثيرا" ودفع عنه شرورا" متعددة ، ولا شك أن هذا يدفع الهموم والغموم ويوجب الفرج والسرور .
4- السبب الرابع
الدعاء بصلاح الدين والدنيا والأخرة ، الدعاء الذى كان النبى صلى الله عليه وسلم يدعوا به : (( اللهم أصلح لى دينى ألذى هو عصمه أمرى ، وأصلح لى دنياى التى فيها معاشى ، وأصلح لى آخرتى التى فيها معادى ، وأجعل الحياة زيادة لى فى كل خير ، وأجعل الموت راحه لى من كل شر )) رواه مسلم .
وكذلك قوله : (( اللهم رحمتك أرجو فلا تكلنى الى نفسى طرفة عين ، وأصلح لى شأنى كله ، لا اله الا أنت )) رواه أبو داود بأسناد صحيح .
فاذا لهج العبد بهذا الدعاء الذى فيه صلاح مستقبله الدينى والدنيوى بقلب حاضر ، ونية صادقة ، مع أجتهاده فيما يحقق ذلك . حقق الله له ما دعاه ورجاه وعمل له ، وأنقلب همه فرحا" وسرورا" .
5- السبب الخامس
التوكل على الله والأعتماد عليه ، ومتى اعتمد القلب على الله ، وتوكل عليه ، ولم يستسلم للأوهام ولا ملكته الخيالات السيئه ، ووثق بالله وطمع فى فضله – اندفعت عنه بذلك الهموم والغموم ، وزالت عنه كثير من الأسقام البدنيه والقلبيه ، وحصل للقلب من القوه والأنشراح والسرور ما لا يمكن التعبير عنه ، فكم ملئت المستشفيات من مرضى الأوهام والخيالات الفاسده ، وكم أثرت هذه الأمور على قلوب كثيره من الأقوياء ، فضلا"عن الضعفاء ، وكم أدت الى الحمق والجنون ! والمعافى من عافاه الله ووفقه لجهاد نفسه لتحصيل الأسباب النافعه المقويه للقلب ، الدافعه لقلقه ، قال تعالى : (( من يتوكل على الله فهو حسبه )) الطلاق : 3 أى كافيه جميع ما يهمه من أمر دينه ودنياه .
فالمتوكل على الله القوى القلب لا تؤثر فيه الأوهام ، ولا تزعجه الحوادث لعلمه أن ذللك من ضعف النفس ، ومن الخور والخوف الذى لا حقيقة له ، ويعلم مع ذلك أن الله قد تكفل لمن توكل عليه بالكفايه التامه ، فيثق بالله ويطمئن لوعده ، فيزول همه وقلقه ، ويتبدل عسره يسرا" ، وحزنه فرحا" ، وخوفع أمنا" ، فنسأله تعالى العافيه ، وأن يتفضل علينا بقوه القلب وثباته بالتوكل الكامل الذى تكفل الله لأهله بكل خير ، ودفع كل مكروه وضرر .
فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين .
والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أضف تعليقك شاركنا برأيك